الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

حركة نصف دائريه ..

مدد ..... مدد يا اهل الطريق مدد ... مدد يا طاهره يا امالعواجز مدد ....
اخرجه الصوت الاجش المرتفع من لحظات شروده القصيره وهو يقف منتظرا تحرك الكتل البشريه المتراصه فى الطريق امام مسجد السيده زينب ... لم ينتبه قط وهو يخطط لزيارته الاولى الى صديق عمره فى منزله القديم بالسيده زينب منذ ان تركها وهو ابن الثانيه عشر ان اليوم هو الليله التى تسبق ليله المولد الكبرى ... وكيف سيتذكر وهو الذى غادر الحى بل القاهره كلها  منذ اكثر من عشرين عاما
الجسد النحيل المتحرك وسط الجموع بخفه شديده دون ان يعبأ بالزحام المميت .... ساقه المفقوده والتى يستبدلها بساق خشبيه رفيعه منحت خطواته شكلها المميز فى انصاف دوائر متتاليه مثيره للضحك حينما يتحرك بسرعه ... مخيفه وموجعه حينما يتحرك ببطء شديد طالبا للمساعده ..... رغم ان مشاهد حى السيده فى ذاكرته فقدت الكثير من تفاصيلها والوانها الا ان خوفه القديم من - ابو رجل خشب -كما كانوا يطلقون عليه لم يترك ابدا موقعه فى اعماق عقله الباطن بكل تفاصيل حركته وسط جموع الناس ايام المولد الثلاثه , وصوته المرتفع الذى لم يفقد ابدا قدرته على تمييزه وسط هدير زحام مريدى السيده وزوار المقام فى المولد
اخذ يراقب حركاته المميزه التى لم تتغير ابدا من خلف زجاج سيارته الحديثه المتحركه ببطء الزحام والتى قرر بعد ان ايقن عدم جدواها التخلص منها بركنها فى اقرب شارع جانبى يستطيع الدخول اليه .... وهو ماكان قبل ان يلتقى بصديق طفولته فى سهره ذكريات حضرها بنصف ذهن يمتلئ بأنصاف صور ونصف ذهن اخر تشغله صوره واحده تتوالى وتتوالى للساق الخشبيه التى تفسح مجالا لانصاف دوائرها وسط كتل اللحوم البشريه المكدسه فى كل مكان ..... بعد منتصف الليل بقليل انهى زيارته بكثير من الوعود التى يدرك هو وصديقه فى قراره نفسيهما انها لن تأخذ نصيبها من التنفيذ , وقليل من الاحداث وملامح الوجوه التى علقت بصعوبه بالغه فى خلايا ذاكرته المستهلكه بشتى الاشياء المهمه وغير المهمه
فى طريق عودته الى سيارته لمح الرجل يتحرك فى انصاف دوائره موزعا اكواب الشاى على بعض مريدى السيده الجالسين على السور الحديدى المقابل للمقام ... ارتبطت صورته فى ذهنه بأيام المولد الثلاثه فقط .... لايراه احدا بعد انتهاء ليله المولد الكبرى ... لم يكن هناك من يدرى اين يذهب طوال العام.... بعضهم كان يقول انه يدور فى القرى والمحافظات زائرا الاولياء الصالحين وحاضرا كل الموالد واخرين منحوه صفات الصالحين الذين تهيم ارواحهم فى سرمديه الكون ولاتحط الا حينما تحب .....
لم تتملكه الرغبه فى العوده الى شقته المستأجره والبقاء وحيدا .... قرر الجلوس قليلا على المقهى المقابل للمسجد مانحا لنفسه المجال لمتابعه الرجل ذو الساق الخشبيه عن قرب ... طلب كوبا من الشاى بالنعناع الاخضر واخذ يرتشف ببطء شديد مستمتعا بدفء الاحساس بألفه الجلوس وسط البشر بدلا من البقاء وحيدا كعادته بعد وفاه والديه .... مجال الرؤيه من مكانه فى المقهى لم يكن كاملا ولكن ديناميكيه حركه الرجل ذو الساق الخشبيه فى المساحه المحيطه بالمسجد كلها جعلته يراه حاملا تاره اكواب الشاى الساخن الى بعض الجالسين على الرصيف امام المسجد .... عابرا قنطره الطريق وفى يده اليمنى صينيه كبيره مملوءه باطباق من طعام صنع بأيدى مريدات السيده فى السرادقات المختلفه المتناثره فى الازقه والعطفات التى تمتلئ بها المنطقه المحيطه بالمسجد.... هو لم يعرف عنه ابدا انتماءه لاى طريقه من الطرق الصوفيه ولكنك لو راقبته عن قرب لوجدت اهالى جميع الطرق يعرفونه جيدا دون ان يعرف عنه احدا اى شئ ولاحتى اسمه
قبل الفجر بوقت ... الارض بجوار المسجد وفى الحارات المجاورة وفى مداخل العقارات قد افترشتها الاجساد المرهقه من اعباء اليوم السابق ملقيه نفسها فى اكبر حيز قد تتمكن من الحصول عليه دون ان يعبأ احدا بالنوم علىا لارصفه فى العراء .... هو لم يكن من تلك الاجساد المتراصة ارضا .... اتخذ جانبا بجوار بائع الكسكسى الذى تحتل عربته الموقع المقابل للباب الرئيسى لمسجد السيدة منذ سنوات بعيده .... الهدوء النسبى الذى احتل اجواء المنطقة دفعه لمغادره مكانه  فى المقهى ومحاوله التقرب من صاحب الساق الخشبيه... محاولا عدم الغوص بقدمه فى اى من النائمين قطع المسافة الفاصلة بين المقهى وبين عربة الكسكسى والتى لم تستغرق اكثر من دقيقتين ... ألقى السلام طالبا طبقا من لكسكى اللذيذ متذكرا والدته التى كثيرا ما نهرته من اكله ليلا حتى لا يزداد فى الوزن .... ومع اول ملعقه يتناولها اخذ يتجاذب اطراف الحديث كعادة المصريين فى كسرالملل ... مع الطبق الثانى كانا قد تحررا من خجل اللقاء الاول بين اثنين لا يعرفون بعضهم البعض وخاصه حينما اخبره انه يعرفه منذ ايام صباه فى نفس المنطقه وفى نفس التوقيت ... ومع الطبق الثالث وكوب الشاى الساخن دار الحوار حول عشقه زياره ام العواجز وكيف انه وعلى مدار50 عاما لم يفوت مولدها دون حضور ...صوت المؤذن رافعا اذان الفجر قطع خيط الحميميه الوليدة بين الكهل والشيخ العجوز ....
استند العجوز ذو الساق الخشبيه على ذراعه ودخلا سويا الىساحه المسجد للصلاة , بعد الفجر كان لابد عليه من العودة الى غرفتة للنوم هو فى الاصل كان قد تغلب بصعوبه على عادات صباه بالسهر حتى الساعات الاولى من صباح اليوم الوليد ... قبل رحيله سأل عجوز حلم صباه المخيف عن وجهه عن وجهته ... دهشته من عدم نومه فى احدى الاركان بجوار اى من الاجساد المتراصة هنا دفعته الى ان يعرض عليه توصيلة
فى الطريق حميمية العلاقة الوليدة دفعته الى ان يسأل دون حرج عن سر الساق الخشبية وكيفية ضياع ساقه الحقيقية ...
= هزار صعايدة تقيل شويه
رغم عدم فهمه الاجابه الا ان الالم الظاهر على ملامح وجهه وهو ينطق بكلماته البسيطه دفعه للصمت وعدم الاسترسال فى اسئلته
قبل نهاية الطريق بقليل قطع العجوز حبل الصمت الذى يمتدمن خواء طريقهما فى ساعات الصباح الباكرة وأخبره عن وجود حضرة ذكر فى مساء اليوم لا يعلم عنها الكثيرين هى فقط للخاصه من ارباب الطرق المختلفة .... بعد العشاء كانت اخر كلماته وهو يغلق باب السيارة ببعض العنف .... وعن انتظاره له فى المساء وصلته بعض الكلمات ببعض الصعوبه وهو ينطلق بسيارته بعيدا نحو الفراغ
فى المساء ورغم انه لم ينم منذ اليوم السابق حيث جفاه النوم وتناوبت عليه الافكار طوال النهار .... ارتدى ملابس رياضيه وقرر الذهاب بالمواصلات العادية تجنبا لمشاكل الزحام خاصه وانها كانت ليله المولد الكبرى
امام باب المسجد الكبير وبعد صلاة العشاء مباشرة وجده ينتظر مستندا على السور مريحا ساقه السليمه وهو يصنع من ساقه الخشبيه محورا يرتكز عليه ثقل جسده العجوز دون ان يقع .... بأبتسامه مرحه وبجملة ثقه فى حضوره هذاالمساء استقبله وهو يتحرك نحو صحن المسجد فى خطواته السريعه بحركته نصف الدائريه المميزه .... فى الركن البعيد فى داخل المسجد وجد صفين متقابلين من البشر يرتدون الجلابيب البيضاء الناصعه وكأنهم كانوا فى انتظاره لبدء الحضرة حيث لم تمر على وصوله دقيقتان وبدأ المنشد فى انشاده وبدأ الجميع فى التجاوب معه بالصوت وبالحركه فى الثبات بشكل نصف دائرى .... وقف فى الصف المقابل له وفى مواجهته تماما ... وأخذ سريعا يتحرك مثل الجميع ... لم يكن يهتم كثيرا بالتجاوب مع المنشد ولا بتقليدحركات العجوز او الموجودين هو فقط كان يريد مشاهده كل شئ ومعرفه اين سيذهب العجوزب عد انتهاء الحضرة وانتهاء المولد بأذان الفجر ..........؟!!!
لم يمض على وجودهم الساعة الا وامتلأ الجو بروح غريبه بدأ ايقاع الانشاد فى الارتفاع ...  الحركةالنصف دائريه للجميع اخذت فى التكرار وبعنف .... وجه عجوزه ذو الساق الخشبيه بدأ يتلون ببياض الثلج الناصع .... ذراعاه يسبحان فى المحيط الفارغ حول رأسه
بينما  ساقهالخشبية مركز ثقل يرتكز جسده المتحرك فى انصاف دوائر متتالية عليها دون استناد علىا ى شئ .... عينيه لا تظهر منهما الا لون ابيض دفع رعشه هلع لان تسرى ببطء فى جسده كلة ... توقف عن الحركه وهو ينظر حوله .... اجساد منهكة ملقاة على ارض المسجد ....اجساد تقف بصعوبه متحركه فى حركة مترنحه بطيئه ..... صوت المنشد يكاد يسمع من شدةالارهاق ... وحدة يتحرك فى وسط الحلقة فى حركته المميزة يمينا ويسارا دون كلل ... نادى عليه وهو يحاول ان يوقف حركاته المتتاليه دون جدوى .... جسده المرهق دفعه للجلوس ارضا فى مواجهته متأملا اياه فى حركاته.... عقله المنهك ورتابه حركات العجوز الذى جلس يتابعها بشغف دفعته لأن يغفو قليلا
...
ساحه واسعه لايحدها شئ .... يدور حول نفسه فى انصافدوائر غير مكتمله .... يمنعه شئ عن اكمال دوراته رغم محاولاته المستميته من بعيديسمع صوت ارتطام خطوات خشبيه على الارض الفضاء ... يبحث عن مصدر الصوت مناديابصوته المحبوس بين جنبيه ... صور غير مكتمله تظهر وتختفى تباعا فى خلفيه الساحه ....صوت الخطوات يعلو ويعلو يسمعه يتردد بلا انقطاع داخل تجويفه الخاوى

صوت اذان الفجر ايقظه من غفوته .... ثوان مرت قبل ان يعمل عقله ويتمكن من ادراك تفاصيل المكان الذى استيقظ فيه .... لم يكن عجوزه ذوالساق الخشبيه هنا ... اخذ يدور بعينيه فى المساحه التى احتلتها حضرتهم امس ... لم يجد له اثر , لم يجد ايا من الاجساد التى يتذكر انها كانت ملقاه بعشوائيه على ارض المسجد بجواره قبل قليل .... لم يتمكن عقله من استيعاب كل تلك الحقائق المتتاليةبشكل سريع اخذ يدور فى انحاء المسجد المختلفه بحثا عن اى وجه يتذكر ملامحه من ليلهامس دون جدوى .... اسئلته المتتاليه عن مكان العجوز ذو الساق الخشبيه لم تجلب لهاى جواب ... لم ينكر احدا معرفته بشخصيته ... فقط الجميع لا يعلم اين يذهب بعد ان يسمع فجر اليوم الجديد معلنا انتهاء ليله المولد الكبرى ..... الروايات المختلفه التى سمعها كثيرا تردد من جديد حوله .... نظرات التساؤل التى ارتسمت فى اعين الناس التى يسألها اخافته ... دفعته دفعا خارج المسجد حتى قبل ان يصلى الفجر ... خرج مسرعا وهو يدور بعينيه فى المكان بحثا عنه هنا او هناك ... يبحث فى الوجوه الناعسه عن طيف عجوز ماضيه الذى اختفى فجأه قبل ان يتمكن من ان يسأله عن سر الحلم الذى رأه فى غفوته
اختفى حتى قبل ان يسأله عن سر حركات ساقه الخشبيه النصف دائريه

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

ابتسامه على الوجه الملائكى البرئ

خطوات اقدام تقطع سكون الليل....عقارب الساعه تتحرك والوقت يمضى....ابتسامة تظهر على وجهه.....صرخات.... وتتوه الابتسامة من على الوجه الملائكى البرىء..... لحظات صمت تعيد شريط الاحداث للخلف لساعات
اخذ يسير فى طرقات المدينة ....انتهى لتوه من بيع ما يحمله من بلدتهم من سمن وعسل ولبن وجبن كل اسبوع.....لم يكن يحمل الكثير تلك المرة.
فقد ترك اغلى ما جاء به فى الطريق على مشارف المدينه ....اقدامه تعرف الطريق....عيناه لا تنظران الى شىء....اى شىء .... وصل إلى منطقة نائية فى اطراف المدينة ... توقف فجأة ....اخذ يتلفت حوله...عيناه تمسحان معالم المكان جميعها تبحث عن شىء غريب ...... اطمئن لعدم وجود خطر يخشاه او يفسد خطته ..... انعطف عن الطريق الرئيسى .... سار مقـربة ثلاث دقائق ..... توقف امام بناية متهدمه .... تلفت حوله ثم دلف سريعاً وعدل وضع الباب الخشبى خلفه.... لم يكن هناك الكثير من الوقت قبل المغرب .....اخر عهد له بالضوء......اسرع باخراج ادواته من الحقيبة التى يحملها معه وبدأ العمل.
تأكد من اتمام ما يريد .... وضع ما انجزه بعناية فائقة فى نفس الحقيبة التى يحملها معه.
انهى صلاة المغرب واسند ظهره على الجدار تاركاً نفسه لتحصل على القليل من الراحه ..... عيناه شاشة عرض كبرى .... ابنة عمه التى تنتظر ان يدخل بها آخر الاسبوع ,ابوه العجوز,امه المريضة ....
كم من الوقت مر عليه.....لا يدرى!!!! تأكد انه قد نال قسط من النوم ....لم يحن وقت تحركه بعد لذا جلس صامتاً ينتظر.
آذان الفجر يقطع صمت الليل الطويل .... قام من مكانه .... حمل حقيبته وبدأ يتحرك .... لابد ان يسرع .....الوقت المتاح امامه ليس بالكثير....لم يكن يريد ان يلفت الانتباه إلى حركة غريبة لذا اختار هذا التوقيت حيث يخرج الناس لصلاة الفجر.
وصل ..... لم يكن المكان بعيداً .....دخل سريعاً....كان يعلم بعدم وجود حراسة فى هذا الوقت بالتحديد فقد راقب وخطط طويلا قبل ان يحسم قراره النهائى
اقامة صلاة الفجر....يخرج ما فى الحقيبة بعناية....يضعها حيث خطط.....التوقيت معد كما اراد بعد انتهاء الصلاة مباشرة .... صلى الفجر سريعا ثم رقد على ظهره ينتظر.
جثة....اشلاء.... لم تعد تحمل اى ملامح ..... جثة اخيه الاصغر رفيق طفولته الذى مات فى العاشرة من العمر .... وعندما سألهم لماذا هو .... اخبروه بعيون يطل منها اثم دماءه المهدره
= قدر ربنا بقى .... وبعدين مكنش هو المقصود .... مات غلط
قراره جاء بعد دراسه وتخطيط محكم .... هو لا ينتقم لدم اخيه فقط .... هو ينتقم لكل من رأى دماءهم تقطر من عيون جلاديهم ..... الجميع يفكر فى نفسه ويطلب فقط الستر .... لابد من شئ ليشعل فيهم فتيل الثوره ليحركهم نحو حريه رقابهم من اغلال الرق ..... كلمات رسالته التى تركها على فراشه قبل ان يغادر منزله فى فجر اليوم السابق
خطوات الخارجين من الصلاة تصل إليه....ابتسامة باهتة تظهر على وجهه الملائكى البرىء ...ابنة عمه ...ابوه وامه....اخوه....اصدقاؤه...
.ارضه.....وطنه الكبير....افكار مرت سريعاً فى باله.....اشعلت النيران
صرخات .... وتتوه الابتسامة من على الوجه الملائكى البرىء

السبت، 26 يونيو 2010

ويسدل الستار


كان على ان اسرع فى ارتداء ملابسى رغم ان الوقت مايزال مبكرا على موعدى الا اننى اود ان اسير فى نفس الطرقات ...احاول ان استعيد نفس الاحداث وارى نفس الوجوه ولو حتى داخلى فسنوات الغربه احدثت داخلى تجويفاً عميقاً ابحث عما يملأه ولعل شجن الذكريات هو ما يملؤه.

اخذت انتقى ملابسى بدقه مثل الايام الخوالى ...البنطلون الزيتى...القميص الاصفر...الكرافت الزيتى ذو النقشات الصفراء ....والجاكت الزيتى ....ارتديتها بعناية شديدة ذكرتنى بحالى حين كنت استعد قبل مقابلاتى الغرامية معها....الالوان التى تحبها.

كنا سوياً فى نفس فرقة الهواه نعشق المسرح الذى اعتبره بيتى بل ان حياتى مسرحية كبرى امثلها احياناً واحياناً اخرى اشاهدها او اشارك فى اخراجها.

كنا نذهب يومياً فى نفس الطريق حيث نلتقى بالزملاء(محمود) (حسن) (امجد) و (اسماعيل) نقوم بتمثيل عدة نصوص حتى يصادف احدنا حظاً سعيداً ويختاره احد كبار المخرجين للمشاركه فى عرضه المسرحى ....حتى حدث ما حدث وانتهت حكايتنا ...اعلم اننى تسرعت مثلما اخبرتها فى خطابى الوحيد...لكننى لم اتمكن من الاستمرار وسافرت ابحث عن نفسى فى مكان آخر وكنت على اتصال مع اعز اصدقائى (حسن) الذى مات ...وحزنت كثيراً لعدم تمكنى من حضور جنازته.

وحين عدت منذ مايقرب من شهر ذهبت إلى المسرح وجدت كل شىء قد تغير وكأننى لم آت هنا يوماً ما من قبل.

لفت انتباهى اعلان عن عرض مسرحى تقوم بتنفيذه فرقة الهواه اخراج (سامى حسن) .....فرحت كثيراً لما حدث لفرقة الهواه من تطور وانتهى بى الامر هكذا حتى فوجئت بدعوة لحضور هذا العرض تصلنى بالبريد مصحوبة بخطاب من المخرج(سامى حسن) ابن صديق عمرى الذى لم اره منذ ان كان طفلاً صغيراً.

وصلت وجلست فى المكان المخصص وانا اتذكر تلك الخشبه وعروضنا عليها.....لكنهم لم يمنحونى الفرصة فسرعان ما اظلمت القاعه ورفع الستار.

ديكور بسيط.....ثلاث كراسى تحتل ثلاث اركان من المسرح يجلس على كل منهما فرد من افراد الفرقه والضوء مسلط على كل منهم بشكل منفرد.

يدخل من يمين المسرح م1 بطل العرض يتجه إلى منتصف المسرح ويقف موجهاً حديثه إلى الثلاثه الآخرين

م1 : مرحباً لقد عدت مرة اخرى.

يتجه نحو الثلاثة وعلى وجوههم فرحة غامرة.

م1 : افتقدتمونى......أليس كذلك؟؟؟

م2 : ليس إلى هذا الحد.

م1 : اعلم انها من وراء قلبك.

م3 : مرحباً بك....كيف كانت رحلتك.

م1 : لاتقلق....ستعرف كل ما حدث.

م4 : عوداً حميداً عزيزى.

ينتهى الترحيب عند هذا الحد ويعود كل منهم إلى مكانه بينما يقف م1 وحده فى وسط المسرح وتظلم القاعه.

ديكور جديد....طرابيزة يحيط بها خمسة كراسى يجلس م2 فى صدر الجلسة ويحيط به الآخرون م1,م3,م4 ويتبقى كرسى خال.

يبدأ م2 الحديث

م2 : اجتماعنا اليوم لبحث مشكلة فشل م3 فى مسرحيته الاخيرة وعدم التزامه بتعليمات المخرج سواء فى البروفات او حتى اثناء العرض.

م1 يأخذ كرسيه ويذهب الى ركن يتيح له مشاهدة ما يحدث.

م4 : انه هكذا دائماً لايترك فرصة الا ويستغلها من اجل تشويه صورتنا امام الجميع وربما يأتى يوم تلغى فيه فرقتنا بسببه.

م3 : عذراً ياساده فشلى امر يخصنى وحدى ولا اسمح ان اكون مجال سخرية او حتى نقاش من احد.

م2 : معذرة جميعنا فى مركب واحدة والفرصة التى اتيحت لك كانت تحتاج فقط بعض الجهد من اجل النجاح.

م3 : انتم تعلمون مسبقاً عدم رغبتى فى العمل بهذه المسرحية كما اننى اخبرتكم بمعاناتى وطاقم العمل من هذا المخرج ومطالبتى بحقوقنا كانت السبب وراء ذلك.

م2 : لقد اخبرناك ان تلتزم الصمت حتى تحصل على الفرصة لاثبات نفسك فقط من اجلنا ولتفعل ما تشاء بعد ذلك.

م4 : انه حديث فارغ...حجج واهيه ....فشلك سببه افعالك الاخيرة التى لا ارى لها سبباً ولتعلم انها لن تؤثر عليك وحدك وانما ستؤدى بنهايتنا جميعاً.

م3 : كما اخبرتكم فشلى امر يخصنى وحدى ولتتركونى وحدى حيث لم اصل بعد إلى ذلك الحد الذى يجعلنى لقمة سائغه وهدفاً لكلامكم هذا.

تظلم القاعة ما عدا بؤرة ضوء مسلطه على وسط المسرح حيث يقف م2 و م4 وبؤرة اخرى مسلطة على م1 حيث يجلس

م4 : لدى طريقة لبحث هذا الفشل فطالما فشلت كافة الطرق السلمية معه وزادت حيرتنا فى سبب افعاله فلم لا نجرب .....واسر له ببعض الكلمات فى اذنه.

م2 : اظن ان الامر لم يصل إلى هذا الحد بعد.

م4 : ولماذا لانجرب فلن نخسر شيئاً كما ان تلك الطريقة مضمونه وجربها الكثيرون.

م2 : فلتتركنى افكر وسأخبرك فيما بعد.

تظلم القاعه تماماً ما عدا بؤره ضوء حيث يجلس م1.

إضاءة خافته....كرسى فى منتصف المسرح يجلس عليه م3 وفى مقابله كرسى فارغ.

يدخل من يسار المسرح شخص يرتدى السواد ويجلس معطياً ظهره للجمهور ويضع يده على رأس م3.

ترتفع الموسيقى بشكل مهيب....موسيقى مرعبه تسمع صدى ايقاعتها داخلك فتجبرك على التركيز ويبدأاستعراض راقص مجموعه من الكومبارس ترتدى السواد تدور حول الكرسين فى ايقاع راقص سريع مع دخان يرتفع ليحيط بالجميع

م1 يحاول ان يبعد نظره عما يحدث وتظهر على وجهه علامات التأثر الشديد.

وفجأة بشكل غير متوقع تظلم القاعه تماماً وتتوقف الموسيقى.

ضوء سلط على منتصف المسرح حيث يقف م1 عيناه جاحظتان ....وجه شاحب..يرتعد موجهاً حديثه للجمهور.

م1 : ماذا على ان افعل؟ كيف اوقف تلك المهزله....تلك المسرحية السخيفة....بالله عليكم اخبرونى....اكاد ان افقد عقلى.....كيف ذلك؟ كيف يسمحون لانفسهم ان ينحدروا إلى ذلك المستوى المتدنى؟كيف؟؟؟؟كيف؟؟؟؟ كيف سأعيش معهم بعد الآن وقد فقدت اقتناعى بهم...فقدت احترامى لعقولهم....لقد اوشكت على الانهيار.....رأسى.....تماسك لابد ألا يظهرعليك شىء...ولكن كيف ذلك؟؟؟ ارغب بشدة فى الرحيل....ارحل إلى ارض اخرى....اناس جدد لعلى اجد ما ينسينى ما حدث.....رأسى....صداع فظيع.

يظهر من خلفه م2وم3وم4 مع اضاءة خافته يجلسون كما كانوا فى اول العرض.

م1 مازال فى وسط المسرح وآثار الانفعال والارهاق الشديد يظهر عليه بشدة موسيقى جنائزية حزينة ترتفع فى المسرح.لحظه صمت انتابت جميع من فى القاعه .... موجه من التصفيق الحاد قطعت الصمت
يترك مقعده فى الصف الاول ودموع عينيه تحفر اثارها بعنايه على شيب وجنتيه بينما
الستار المسرح يسدل.

الأربعاء، 9 يونيو 2010

رحيل

لم تكن الشمس التى شرقت فى هذا اليوم مثلما رأتها طوال حياتها السابقه .... هى دوما تستيقظ مع اذان الفجر ... تصلى وتبدأ فى اعباء اليوم المعتاده ...ولكنها لم تهمل ابدا النظر الى الشمس الشارقه فى اول اطلالاتها على الكون ..... كانت تستمد منها قوه تعينها على يومها

اليوم استيقظت كعادتها مع اذان الفجر .... انتهت من صلاه ركعتين الفرض وركعتى السنه وتبعتهما بركعتين ابتهالا وتضرعا لله ليعينهم على ماسيقدمون عليه اليوم .... وحينما رفعت نظرها لتراقب قرص الشمس الوليد شعرت بوخزه فى قلبها لم تكن هى كما اعتادتها .... لم تمنحها القوه التى كانت تحتاج الى اضعافها اليوم وبشده .... ربما كان الوهن فيها هى وليس فى شمس اليوم الجديد ولكنها لم تدرك تلك الحقيقه فى وقتها

اخذت تلهى نفسها بتحضير طعام الافطار للجميع لتمنع نفسها من التفكير لا فى امر اليوم ولا فى اى شئ اخر .... لم يكن لديها عمل كثير اليوم ... انهت فى الليلتين السابقتين تجهيز اكوام الاثاث الذى سينقل معهم, ووضع الاشياء الاخرى فى الصناديق الكبيره , وتجميع الملابس فى الحقائب .... والمتبقى ستنتهى منه قبل ان ينتهى الرجال من تناول الافطار ليقوموا بتحميل العربه الخشبيه التى ستنقلهم الى محطه القطار

ايقظت الجميع لتناول الافطار .... لم يستغرق منها هذا الامر طويلا عكس ما اعتادت عليه .... يبدوا ان احدا لم ينعم بنوم هانئ فى الليله السابقه مثلها .... التفوا حول الاطباق الموضوعه على الورق المفروش على الارض وتناولو افطار بسيطا فى لقيمات صامته لم تستغرق وقتا طويلا وبدا الرجال بعدها فى نقل الأثاث المكوم فى طرف الباحه .... واخذت النساء تعتنى بتحضير اشيائهم الباقيه وتجهيز الاطفال

اخذت هى تراقب مايحدث وهى تجلس على صندوق فى طرف الباحه الاخر ..... لم تكن ترى بعينيها شيئا مما يحدث .... المشهد كان مختلفا تماما امام عينيها

كانت ترى رجالا تأتى وتذهب حامله قطع مختلفه من الاثاث الجديد ... والاطفال تجرى فرحه تلعب يمينا ويسارا بين اقدام الرجال المتحركه فى ايقاع متناغم والنسوه الجالسه فى فرح غامر ..... لم تكن ترى تلك الوجوه البائسه التى تحمل الاثاث المستعمل فى تثاقل شديد ... ولا براءه الاطفال المغتاله فى عيونهم المطفأه ... ولا نظرات النسوه المتحسره على ماكان

قبل اذان الظهر بما يقرب من النصف ساعه .... بينما الشمس عموديه على سطح الارض .... اخذ الجميع اماكنهم فى على سطح العربه الخشبيه التى تحركت بهم نحو محطه القطار فى طرف البلده ... الطريق من دارهم الى محطه القطار يقطع البلده كلها .... مروا وسط بقايا ديار مهجوره ..... الجميع رحل من البلده وهم اخرهم ..... الصمت يحتل شفاههم جميعا متناغما مع صمت هواء القريه الميته

المشهد فى عينيها مايزال مختلفا.... عند شجره الكافور الكبيره التقته اول مره .... وعندها كانا يتقابلا قبل المغرب .... وعندها ايضا اتت هاربه من شبح الموت حينما وصلها خبر وفاته فى الحرب على الجبهه ..... هنا منزل خالتها, وهنا منزل رفيقه عمرها , وهنا وهنا وهنا .....

سائق القطار يطلق نفير الانذار بالرحيل .... تقف على الباب تنظر بعيدا نحو القريه .... ابنها الاكبر يصعد وهو يطلب منها الجلوس معهم بعد ان انتهى لتوه من وضع اخر احمالهم .... هى مازالت تنظر الى القريه وربما لم تسمع ايا من كلماته اليها

سائق القطار يطلق نفير الانذار الاخير للرحيل ..... عجلات القطار بدأت فى السير ببطء على القضبان ..... قفزت من مكانها واخذت تجرى نحو باب محطه القطار ..... يلحقها ولداها ويمسكان بها قبل ان تخرج من البوابه ويعيدانها بصعوبه الى القطار قبل ان يغادر ويتركهم خلفه

= بدى اقفل باب الدار .... نسيته مفتوح

الدموع المنسابه من عينيها الواهنه على وجنتيها .... صوت نشيجها المختلط بصوت عجلات القطار العالى منع الجميع من سماع كلماتها التى لم تتوقف عن النطق بها ابدا بينما نظرات عينيها معلقه نحو دارها فى الغرب ................... تمت

من وحى حديث مسموع من شخص لا اعرفه على مقهى التكعيبه بالتحرير الاربعاء 9 يونيو 2010

الأربعاء، 26 مايو 2010

دميه



دقات بندول الساعه الخشبيه الكبيره التي تحتل وسط الصاله تصله في الدور العلوي حيث يجلس وحيدا تخبره انه تأخر كثيرا عن موعد نومه المعتاد ..... ...... يواجه دماه الخشبيه الصغيره منذ ساعات يبحث في وجوهها التي امضي الليالي الطويله في صناعتها عن حل يخرجه مما هو فيه ..... الملل الذي رأه مرتسما علي وجوه الحضور وفي تصرفاتهم صغيرا قبل الكبير يقلقه ..... يثبت ان شكوكه التي راودته سابقا حين قل عدد الجمهور تدريجيا كانت في محلها ..... ذهنه خالي من اي افكار جديده او حلول

***********

لمسات حانيه لأنامل رقيقه علي كتفه الأيمن جعلته يدرك انه امضي ليلته الماضيه جالسا علي كرسي وساندا رأسه علي المنضده التي تتوسط الغرفه التي يستخدمها كمصنع ومخزن لدماه الخشبيه ..... ابتسم لصاحبه الانامل الرقيقه وهو يتمتم ببعض الجمل ليفسر نومه الغريب هنا ..... كانت تلك هي حفيدته ..... يتيمه الابوين وتعيش معه هنا منذ ان كانت فى الخامسه ..... الأن هي تسبق عامها الثانى عشر بأيام قليله ..... طفله على مشارف الانوثه شعرها القصير الذهبي ينسدل برقه ونعومه علي رقبتها البيضاء وكتفيها تهرب منه بعض الخصلات لتستقر بجوار عينيها العسليتان ... ملامح وجهها الدافئه تجبرك علي الشعور نحوها بالألفه منذ النظره الأولي ..........

ربتت على كتفه بأناملها الرقيقه .... الابتسامه التى لا تفارق عينيها انتقلت الى وجهها وهى تخبره انها حضرت له طعام الافطار بيديها هذا الصباح ..... وانتقلت لترتسم باستحياء على وجهه حينما جذبته من يديه نحو غرفه الطعام فى الدور السفلى قبل حتى ان يبدأ فى سلسله الاعتذارات التى كان على وشك قولها

رغم انه اعترف لها بعد اول لقيمات تناولها ان الطعام بالفعل جيد وانه كان يحتاج الى تلك الوجبه ليبدأ يوما طويلا ..... الا ان شروده دفعها الى ان تدفعه الى الذهاب الى حجرته ومحاوله الحصول على بعض الراحه التى يحتاجها جسده وذهنه المرهقين ...... وبعض ان اطمأنت انه بدأ حديثه مع الملائكه ذهبت الى حجرتها لتشبع رغبه تتملكها منذ الامس بالرسم دون ان يكون لديها شيئا محددا لترسمه ........

******************

احضرت فرشاتها والالوان ولوحه بيضاء متوسطه الحجم ...... وبنصف ذهنها تركت يداها ترسم ما تشاء .... وبنصف الذهن الباقى اخذت تطارد تلك الافكار التى تحتلها منذ الليله السابقه مابين جدها وعرضه الراقص الذى يوشك على الانهيار ....... وذاك الحلم الراقص الذى يراودها يوميا منذ اكثر من اسبوع ......

مر الوقت دون ان تتمكن من التقاط اى من تلك الافكار ...... يداها لم تتوقف عن العمل طوال تلك المده ... الصوره اكتملت ..... اخذت تتأملها بدهشه ..... لقد رسمت ذاك الفارس الذى يراقصها كل ليله ..... بوجهه الابيض المشرأب بالحمره التى تتجلى ظاهره فى وجنتيه ..... وملامحه الدقيقه المتناسقه .....

لا تدرى اذا كانت قد غفلت وهى جالسه ممسكه بفرشاتها ام انها شردت بعيدا ..... ولكنها لم تتمالك نفسها حين فاقت مما كانت فيه .... انطلقت تجرى نحوغرفه جدها النائم وهى تنادى عليه بصوت مرتفع ..... الجد على سريره بين اليقظه والوسن ..... احضرت له كوبا من القهوه المغليه الساخنه ..... الجد يرتشف القهوه ببطء بينما هى تتحرك فى الحجره يمينا ويسارا تتحدث بسرعه ... تتراقص ببهجه ..... مع اخر رشفات جدها للقهوه اعتدل فى جلسته و طلب منها ان تعيد حديثها السابق مره اخرى ولكن ببطء ........ ارتسمت على وجهها ابتسامه جزله رقيقه قبل ان تجلس على طرف السرير ممسكه بلوحتها وتبدأ فى الحديث من جديد بهدوء ........

***********

لم يشعر ايا منهما بالوقت يمر ..... أنهمكا فى صنع الدميه الجديده التى رسمتها الصغيره ..... مع دقات بندول الساعه الخشبيه الكبيره فى الصاله معلنه انتهاء اليوم الثالث كان الجد قد انتهى من وضع لمساته الاخيره على الدميه الجديده .... برفق شديد ايقظ الصغيره التى انهارت على الكرسى منذ ساعات نائمه من شده الارهاق ..... اللمعه النادره التى رأتها فى عينى جدها رسمت ابتسامه صغيره على شفتيها ..... اخذت تتأمل الدميه المصنوعه تماما كما رأتها فى حلم يقظتها ...... امسكتها من ذراعيها واخذت تدور وتدور بها فى الحجره فرحا .... نظرت لجدها نظره رضا وابتسمت ..... وقبل ان تستجيب لطلب جدها بالحصول على قسط كبير من الراحه القت نظره على الدميه ..... توقفت قليلا وزمت شفتيها وهى تفكر قليلا ..... طبعت قبله على وجنتى الدميه مانحا اياها بعضا من الحمره .... نظرت اليها برضا .... وتركتها بعنايه ليست بعيده عن بقيه الدمى .... وتأملتها مره اخيره قبل ان تحكم اغلاق باب الغرفه المظلمه ........

**********************

صوت حركات خافته يقطع صمت ظلام الغرفه ..... لحظات صمت جديده .... اضاءه تكفى لكشف محتويات الغرفه تنبثق من مكان غير ظاهر ..... منضده خشبيه فى المنتصف يرقد فوقها بقايا خشب واقمشه ملونه بجانبها شاكوش كبير وبعض المسامير المتناثره بدون ترتيب فوق اوراق رسم ..... فى ركن الغرفه تتراص دمى خشبيه ... وجهها شاحب ... ملابسها كالحه الالوان فقدت مع العمر بريقها ..... تقف بتحد فى مقابل دميه وحيده ... ملابسها الزاهيه الالوان تلمع فى الضوء الخافت , وجنتها البيضاء مازالت تصطبغ بحمره شفاه الفتاه الصغيره التى طبعت عليها منذ ساعات قليله قبله الميلاد الاولى .....

************************

مع اولى ساعات الصباح كان صوت خطوات اقدامها على السلم الخشبى العتيق يقطع سكون الصمت .... رغبتها فى رؤيه الدميه الجديده جعلتها تهمل ملاحظه اختلاف ترتيب الدمى القدميه .... امسكت بيديها وليدها الجديد – دميتها – و|أخذت تدور بها فى المكان محاوله تقليد حلم ساعات نوم ليله امس .... خطواتها المتعثره فى الخيوط اوقعتها على الارضيه الخشبيه فأصدرت صوتا ايقظ جدها الذى ينام فى غرفته تحت الورشه مباشره ..... بعد الافطار جلسا سويا يكملان تنفيذ باقى اجزاء الحلم .... الفكره كلها فى تصميم استعراض راقص تشارك فيه الصغيره تلك الدميه الجديده الرقص ..... فقط ثلاث اسابيع على الخميس الاخير من الشهر موعد العرض

استقر تفكير الجد على ان يبدأ بتعليم الصغيره الخطوات اولا وحدها وحين تتقنها يبدأ مرحله الرقص المزدوج بينها وبين الدميه التى سيقوم هو بتحريكها .... خطوه لليمين ... خطوتان لليسار .... نصف دوره خطوات متناغمه مع ايقاع الموسيقى الصادر من جهاز البيانو الخشبى الكبير ....خطوه لليمين ... خطوتان لليسار .... نصف دوره .... الليال مرت حتى نهايه اليوم العشرون والعمل مايزال دائرا فى الغرفه العلويه دون كلل او ملل ....

قبل الفجر بقليل توقف الصوت الصادر من البيانو وانقطعت صوت الاقدام على الارضيه الخشبيه وأطبق على المكان بعض الصمت مختلطا بصوت انفاس الجد الملقى متعبا على كرسيه بجوار البيانو , وصوت انفاس الفتاه المنزويه فى ركن الغرفه محتضنه دميتها الصغيره ..... بعض الحفيف الصادر من حركه اقدام الدمى القديمه متحركه فى الركن الخلفى المهمل للغرفه .... همسات غير مفسره تحمل الكثير من معانى الغضب

************************

مع اول اشعه الشمس المشرقه فى يوم العرض بدأت الحياه تدب فى الغرفه سريعا .... الجد منهمك فى وضع اللمسات الاخيره على عرضه المرتقب, يراقب بعنايه عمليه نقل البيانو القديم الى العربه الكبيره التى اتفق معها لنقلهم الى البلده ... الصغيره اخذت تلبس دميتها الثوب الذى امضت فى صنعه الليلتين الماضيتين ... وحينما انتهت اخذتها معها الى غرفتها وبدأت ترتدى ثوبها الذى انفق جدها اكثر من نصف مدخرات العرض السابق عليه .... قبل العصر كان كل شئ قد انتهى كما خطط له الجد ... لم يكن هناك اكثر من نقل الدمى القديمه فى مؤخره العربه لاستخدامهم كديكورات فى العرض .... ترك الجد تلك العمليه للعمال واتجه مع صغيرته ودميتها نحو البلده لوضع اخر لمسات اللحن مع رفيقه عازف الموسيقى

فى المساء كان كل شئ فى موضعه تماما .... الدمى مثبته فى السقف وموضوعه دون حركه فى اماكنها كما رسمتها لها الصغيره ..... الجد فى الطابق العلوى مع خيوط الدميه الجديده ... خلف الستار تقف الفتاه بجوار دميتها .... ثلاث دقائق قبل رفع الستار .... دقيقتين ... دقيقه واحده .... قبله حانيه من شفتيها تعيد الدماء الى وجنه الدميه من جديد مع همسات بالحظ الجيد ... وانسابت الموسيقى ..... تتابع حركاتهما سويا .. والجد يحرك الخيوط التى تربط الدميه مع خطوات قدميها بأنسيابيه شديده ..... لوهله صغيره فقدت التمييز وظنت لوهله انها تراقص شابا من لحم ودم ..... لم يكن هذا احساسها وحدها ..... انتقل الاحساس الى جميع من فى القاعه حضور ..... ذاك الاحساس الذى سيجعلك تنسى وانت تشاهد انها مجرد دميه تراقصها فتاه صغيره .... ستظن انك ترى استعراضا راقصا حيا لصغيرين ... لا بل ستتخطى ذلك وتسمع فى اذنيك صوت انفاسها المتعبه ... وترى بعينيك لمعه قطرات العرق المنسابه على جبينها الابيض ..... وتنتقل اليك حراره دمائها الساخنه التى تتدفق الى وجنتيها المحمره من انفعال الحركات .....ساعه مرت على الجميع كأنها ثوان قليله .... مع توقف نغمات الموسيقى توقفت الحركات الراقصه , وتوقفت انفاس الجميع .... واخذت الجميع لحظات نشوه صامته قطعها صوت تصفيق حاد استمر لبعض الوقت .....

نشوه النجاح اخذت الجد والصغيره ولم يلحظ ايا منهما اللون الاحمر الذى احتل مكان بياض لون عيون الدمى القديمه

************************

فى المنزل كان على الجد النوم جيدا لتعويض ارهاق ليال العمل المتواليه فى عرضه الذى جعله مطلوبا اكثر من الاول ..... تمنى لصغيرته ليله نوم هانئه واتجه الى غرفته

فى الحجره العلويه امضت الصغيره بعض الوقت مع دميتها الجديده .... كانت ترغب فى ان تصحبها معها الى غرفه نومها ولكن جدها رفض اقتراحها ..... اخذت تتأملها وهى تفكر فى الاحساس الذى انتابها وقت الرقص .... طوال العشرون يوما فى التدريب لم تشعر بمثله .... ظلت تتأملها حتى احتل التعب جميع خلاياها وارتسم الوسن على جفونها فهبطت الى غرفتها ...

الصمت المطبق يحتل جميع غرف المنزل الا الغرفه العلويه ..... حركات الدمى القديمه تتوالى نحو الركن الذى ترقد فيه الدميه الجديده ... اصوات غير مفهومه تلاها صمت تام

الصغيره فى غرفتها تهب مفزوعه من نومها .... خطوات سريعه على السلم الخشبى القديم .... ارتطام بالباب نصف المغلق .... لحظه صمت ... صوت صرخات متتاليه ونشيج باكى ايقظ الجد من نومها ودفعه للصعود الى الاعلى .... المشهد كالتالى ... الدميه الجديده ترقد ممزقه الاوصال ولا شئ اخر مختلف عما تركته الصغيره منذ قليل الجد لا يجد ما يفعله ليخرج من الذهول الذى انتابه .... ودموع الصغيره المنهمره لا تتوقف

ساعه مرت عليهما .... تهاوى الجد على الكرسى الكبير فى طرف الغرفه ... الصغيره اخذت بقايا دميتها وهبطت درجات السلم الخشبى بصعوبه نحو غرفتها اخذته بين ذراعيها ورقدت على السرير الصغير

دموعها منسابه على اجزاء الدميه بين ذراعيها رغم عينيها المغلقه فى مايشبه النعاس ... لقد ادركت الان ان ماشعرت به وهى تراقصه فى الليله السابقه كان مشاعر حب صافيه دون اى تبرير

انتظاره لمعرفتها حقيقه بشريته الوليده على قطرات دموعها لن تجعل قلبها الرقيق يدرك انه منذ ان منحته شفتاها سر الميلاد يحبها

قبل شروق الشمس بقليل .. طبع على وجنتيها قبله حانيه .... لم ينس ان دموع حزنها الصافيه هى التى وهبته الحياه ..... مسح دموعه المتساقطه والقى عليها نظرته الاخيره قبل الرحيل ..........

تمت