لم تكن الشمس التى شرقت فى هذا اليوم مثلما رأتها طوال حياتها السابقه .... هى دوما تستيقظ مع اذان الفجر ... تصلى وتبدأ فى اعباء اليوم المعتاده ...ولكنها لم تهمل ابدا النظر الى الشمس الشارقه فى اول اطلالاتها على الكون ..... كانت تستمد منها قوه تعينها على يومها
اليوم استيقظت كعادتها مع اذان الفجر .... انتهت من صلاه ركعتين الفرض وركعتى السنه وتبعتهما بركعتين ابتهالا وتضرعا لله ليعينهم على ماسيقدمون عليه اليوم .... وحينما رفعت نظرها لتراقب قرص الشمس الوليد شعرت بوخزه فى قلبها لم تكن هى كما اعتادتها .... لم تمنحها القوه التى كانت تحتاج الى اضعافها اليوم وبشده .... ربما كان الوهن فيها هى وليس فى شمس اليوم الجديد ولكنها لم تدرك تلك الحقيقه فى وقتها
اخذت تلهى نفسها بتحضير طعام الافطار للجميع لتمنع نفسها من التفكير لا فى امر اليوم ولا فى اى شئ اخر .... لم يكن لديها عمل كثير اليوم ... انهت فى الليلتين السابقتين تجهيز اكوام الاثاث الذى سينقل معهم, ووضع الاشياء الاخرى فى الصناديق الكبيره , وتجميع الملابس فى الحقائب .... والمتبقى ستنتهى منه قبل ان ينتهى الرجال من تناول الافطار ليقوموا بتحميل العربه الخشبيه التى ستنقلهم الى محطه القطار
ايقظت الجميع لتناول الافطار .... لم يستغرق منها هذا الامر طويلا عكس ما اعتادت عليه .... يبدوا ان احدا لم ينعم بنوم هانئ فى الليله السابقه مثلها .... التفوا حول الاطباق الموضوعه على الورق المفروش على الارض وتناولو افطار بسيطا فى لقيمات صامته لم تستغرق وقتا طويلا وبدا الرجال بعدها فى نقل الأثاث المكوم فى طرف الباحه .... واخذت النساء تعتنى بتحضير اشيائهم الباقيه وتجهيز الاطفال
اخذت هى تراقب مايحدث وهى تجلس على صندوق فى طرف الباحه الاخر ..... لم تكن ترى بعينيها شيئا مما يحدث .... المشهد كان مختلفا تماما امام عينيها
كانت ترى رجالا تأتى وتذهب حامله قطع مختلفه من الاثاث الجديد ... والاطفال تجرى فرحه تلعب يمينا ويسارا بين اقدام الرجال المتحركه فى ايقاع متناغم والنسوه الجالسه فى فرح غامر ..... لم تكن ترى تلك الوجوه البائسه التى تحمل الاثاث المستعمل فى تثاقل شديد ... ولا براءه الاطفال المغتاله فى عيونهم المطفأه ... ولا نظرات النسوه المتحسره على ماكان
قبل اذان الظهر بما يقرب من النصف ساعه .... بينما الشمس عموديه على سطح الارض .... اخذ الجميع اماكنهم فى على سطح العربه الخشبيه التى تحركت بهم نحو محطه القطار فى طرف البلده ... الطريق من دارهم الى محطه القطار يقطع البلده كلها .... مروا وسط بقايا ديار مهجوره ..... الجميع رحل من البلده وهم اخرهم ..... الصمت يحتل شفاههم جميعا متناغما مع صمت هواء القريه الميته
المشهد فى عينيها مايزال مختلفا.... عند شجره الكافور الكبيره التقته اول مره .... وعندها كانا يتقابلا قبل المغرب .... وعندها ايضا اتت هاربه من شبح الموت حينما وصلها خبر وفاته فى الحرب على الجبهه ..... هنا منزل خالتها, وهنا منزل رفيقه عمرها , وهنا وهنا وهنا .....
سائق القطار يطلق نفير الانذار بالرحيل .... تقف على الباب تنظر بعيدا نحو القريه .... ابنها الاكبر يصعد وهو يطلب منها الجلوس معهم بعد ان انتهى لتوه من وضع اخر احمالهم .... هى مازالت تنظر الى القريه وربما لم تسمع ايا من كلماته اليها
سائق القطار يطلق نفير الانذار الاخير للرحيل ..... عجلات القطار بدأت فى السير ببطء على القضبان ..... قفزت من مكانها واخذت تجرى نحو باب محطه القطار ..... يلحقها ولداها ويمسكان بها قبل ان تخرج من البوابه ويعيدانها بصعوبه الى القطار قبل ان يغادر ويتركهم خلفه
= بدى اقفل باب الدار .... نسيته مفتوح
الدموع المنسابه من عينيها الواهنه على وجنتيها .... صوت نشيجها المختلط بصوت عجلات القطار العالى منع الجميع من سماع كلماتها التى لم تتوقف عن النطق بها ابدا بينما نظرات عينيها معلقه نحو دارها فى الغرب ................... تمت
من وحى حديث مسموع من شخص لا اعرفه على مقهى التكعيبه بالتحرير الاربعاء 9 يونيو 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق