الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

حياه جديده



فى المرأه الزجاجيه التى تحتل الجانب الاكبر من التركيب الداخلى للمصعد فى ذلك البرج الحديث أخذت تتأكد من هندامها .... تعدل خصلات شعرها المتناثره بفعل هواء الشتاء البارد ..... تتأكد من المكياج الهادئ الذى وضعته بعنايه قبل ان تخرج من منزلها ... ترسم على ملامحها ذاك القناع الذى اعتادت ان ترسمه لتعزل عن الجميع النيران التى تشتعل بداخلها ........

بخطواتها البطيئه الهادئه اخذت تقطع المسافه الفاصله بين المصعد وغرفه مكتبه ...... ليست بالمسافه الطويله ولا بالمتناهيه الصغر .... اعتادت عليها من المرات التى زارته فيها بمكتبه ..... اخذت تستكمل فى طريقها مهمه اتقان رسم قناعها ...... تستجمع ذاكرتها لتحضر الحديث الذى امضت ليلتها الماضيه فى التدرب على القاءه ...... المهمه ليست سهله وتود الانتهاء منها سريعا وبأقل اخطاء ..... ردت التحيه بهدوء على احدهم خرج من احدى المكاتب مشتتا تركيزها ..... قبل ان تطرق بيديها الباب وتحركه داخله قبل ان تسمع اى صوت اجابه يأتيها من خلف الباب

رسمت ابتسامه رقيقه شهيه على وجهها وقابلت بها الفتاه التى تجلس على مكتب السكرتاريه .... كانت قابلتها عدت مرات من قبل دون ان ترتاح اليها .... بحديث مقتضب اخبرتها برغبتها فى مقابله رئيسها مع الاعتذار عن الحضور بدون موعد

= اتفضلى حضرتك اقعدى الاستاذ عنده اجتماع اول ما يخلص حضرتك تقدرى تقابليه

ودون ان تكلف نفسها عناء الرد او الابتسام رمقتها بنظره سريعه وايمائه خاطفه من راسها والقت بنفسها على الكرسى الجلدى المقابل لمكتب السكرتاريه وهى تطلب منها فنجانا من القهوه المظبوط ......

لتمضيه الوقت كانت ممكن ان تفتح مع الفتاه فى اى حديث تافه ....... ولكنها فضلت الاستمتاع بهدوء المكان ورشفات فنجان قهوتها لتمنح ذهنها بعض الراحه

بطيئا مر عليها الوقت ...... حتى ايقظها صوت الباب الخشبى وهو يفتح وصوته يلقى بتعليمات نهائيه على مرؤسيه قبل ان يرحب بها بلهجه يشوبها الكثير من الدهشه

= يابنتى انت مش كلمتينى الصبح ليه مقلتيش انك جايه

وقبل ان تجيب عليه كان قد افسح لها طريقا لمكتبه واخبر سكرتيرته بمنع الاتصالات عنه حتى ان يخبرها

جلس على الاريكه المقابله للمكان الذى اختارت ان تجلس عليه بعد ان اغلق الباب الخشبى ...... ببعض من المزاح سألها عن سر الزياره السريه المفاجئه تلك محاولا اخفاء الدهشه والقلق الذى باحت به احرف سؤاله

اخرجت من حقيبتها علبه السجائر الذى يعلم انها لا تشربها الا اذا كانت تمتلئ بالتوتر والقلق .... سحبت سيجاره من العلبه واشعلتها وهى تسحب منها نفسا بطيئا وتخرجه بهدوء مصطنع - تدربت عليه طويلا بالامس - موجهه حديثها اليه معتذره عن الحضور بهذا الشكل رغم ادراكها انه مشغول ...... وعدته بعد الاطاله وتعللت برغبتها فى بقاء الامر سرا بين جنبات هذه الغرفه فقط

= قلقتينى انت كده اكتر .... حصل ايه بس

قامت من مكانها واخذت تدور فى الغرفه وهى تزفر انفاس سيجارتها بتوتر بالغ اسقط عنها كل الاقنعه التى كانت ترسمها بعنايه ..... انتقل الى صوتها اضطرابها وهى تجيبه

== بحبك ...... اه بحبك

القتها وهى تلقى بنفسها على الاريكه غارقه فى دموع صامته

دقائق بطيئه مرت فى صمت قاتل لم يقطعه لثوان قليله سوى صوت القداحه وهو يشعل سيجاره من علبتها ......

********************************************************

نهار صيفى حار ...... موعدها معه حدده هو فى السادسه مساءا ..... تجلس فى المطعم من الرابعه ...... فى انتظاره وشغلا للوقت قررت ان تعيد استحضار ما امضت الجزءالاكبر من ليلتها امس فى تحضيره لتقضى على الخجل الذى يبقى على العلاقه بينهما كل هذه المده دون اى تتطور ..... ما الضرر ان تبدأ هى وتخبره انها تحبه

== ايوة مفيهاش حاجه يعنى اول ما يجى هخبطهاله كده ع طول .......... انا بحبك سهله اهى .....

عدم ثقتها فى جراتها جعلها تحاول الهدوء وتكرار الجمله اكثر من مره داخلها ...... ماذا ستنتظر اكثر من ذلك ..... منذ اليوم الاول للقائها معه وهى تشعر بالارتياح اليه ..... ومع تعمق معرفتها به اصبحت ترى فيه شابا جذابا ....... مثقف ,متفتح العقل , يحترمها , تراه الرجل المناسب الذى تتمنى ان تكمل حياتها معه ...... غيابه عنها الشهر الماضى جعلها تدرك مكانته فى قلبها ....... مابين المرتين التى رأته فيهما لدقائق قليله كانت الايام تمر عليها ببطء ..... كانت دوما تشعر بأن شيئا ينقص يومها ..... وتشرد كثيرا فى احلى ايامها التى كانت تمضيها معه ..... والتى ربما اضاعتها ولم تكلف نفسها عناء معرفه حقيقه الشعور الذى ينتابها .....

ملمس ناعم لكفين رقيقين التفا حول عينيها تحفظه جيدا .... وصوت دافئ يداعبها تميزه من بين الف صوت اخرجها من كل تلك الافكار ..... ازاحت الكفين من على عينيها وهى تدير راسها مبتسمه فى وجه صديقتها المقربه " ليلى " وهى تبدى دهشتها عن كيفيه معرفه مكانها وهى التى لم تخبر احدا انها ستكون هنا

= مروان قالى انك هتكونى هنا وطلب منى اجى اقعد معاكى لانه هيتأخر فى الشغل ...... وطلب منى كمان اقولك ع المفاجئه اللى جايبك النهارده عشانها

شريط العام الماضى بأكمله مر امام عينيها سريعا بعد ان القت عليها صديقتها قنبله الخطبه المنتظره ..... بكل ماتبقى لديها من قوة حافظت على الابتسامه العريضه..... دارت كل ما يدور بداخلها بقناع من البهجه والفرح ابتهاجا بالخبر السعيد .... امضت قليلا من الوقت ثم تهربت من انتظار مروان وغادرت ...... فى الطريق لم تتمكن من ايقاف سيل الدموع المنهمر من عينيها فقط حاولت التماسك حتى تتمكن من السيطره على عجله قياده السياره ...... وحينما تأكدت انها اصبحت وحدها لم تمنع نفسها من اى شئ ..... اخرجت اهات حزنها بصرخات ملتاعه ..... القت كل ماطله يديها .... انهارت منزويه فى ركن الغرفه منهكه, مبعثره الشعر , دموعها ماتزال ترسم بالكحل خطوطا سوداء على بشرتها البيضاء ...... كيف غفلت عن ادراك الحقيقه منذ البدايه رغم انها كانت ساطعه كالشمس .....؟!! عرفته عن طريقها .... عائلته تربطها صداقه قديمه بعائلتها ..... دائما كانت هي القاسم المشترك فى كل مشاهدهما سويا ..... تتذكر الان كل ما كانت تتغافل عنه وبوضوح

فى الخطبه كانت رفيقه كل الخطوات ..... شراء الدبل وحتى تجهيز العروس قبل الحفله ....... الحب الذى رأته فى ملامح ليلى ومروان جعلها تبقى امر حبها له سر حياتها الابدى ...... تعانى وحدها الام التجربه وتحاول انت تنسى ....... ولانها الصديقه المقربه لليلى وكذلك لمروان رافقتهما فى مشوار حياتهما خطوه خطوه ..... انشغلت بحياتهما عن حياتها ...... ايام كثيره امضتها فى حل مشكلات كادت ان تعصف بزواجهما ..... وايام اخرى باتتها وحدها تبكى دموع قلبها المكسور الذى يرفض ان ينسى ....... كانت اول من حمل الرضيع الصغير ابنهما ...... رأت فيه حلمها الذى كانت تحلمه .... انشغلت بتربيته واهتمت به ربما اكثر من صديقتها نفسها ..... صارت سببا فى بقاء تلك الاسره هانئه وسببا فى بقاءها تعيسه بائسه

**************************************

مد يده اليها بكوب النسكافيه الخالى من اللبن الذى احضرته السكرتيره منذ دقائق قليله .... وارتشف من قهوته المظبوطه رشفات قليله ....قبل ان يعيد تأملها من جديد لم يكن قد نبس ببنت شفه طوال حديثها ..... فقط يستمع ويراقب الدموع المنسابه وهى ترسم بالكحل خطوطا سوداء على الوجه الابيض ..... افاق من شروده على صوتها

== هجاوبك على سؤالك قبل ما تسأله .....

لم تكن تهدف من وراء الحديث هذا ان تكون الزوجه الثانيه ..... او حتى ان تحل محل " ليلى " كزوجه له ..... لو كان ذاك هدفا تسعى اليه لكان سهلا عليها ان تفعله قبل كل ذلك ....... هى فقط كانت تريد ان تغلق صفحه حياتها الماضيه دون اى بقايا قبل ان تبدأ صفحه حياتها الجديده ...... تطلب حلا من وعد قطعته له دون حتى ان يكون قد علم به طوال تلك المده .... تقدم لخطبتها شريك مروان الجديد ...... شاب ناضج .... تميل اليه بعقلها كثيرا وبقلبها ايضا ..... وتريد اتمام المسأله ..... كانت فقط تريد ان تنهى هذا الامر ..... تقطع كل خيوط الماضى المهترئه ..... قبل ان تعطى ردا نهائيا فى امر زواجها ......

اخرجت من حقيبتها مناديل ورقيه وعلبه مساحيق التجميل ..... مسحت خطوط الدموع السوداء من على وجهها الابيض ..... زفرت بأرتياح ..... ابتسمت اليه كما اعتادت وهى تحمل حاجياتها نحو المرأه المعلقه فى طرف الغرفه .....

== كلم مراتك وقولها انى هحتاجها معايا كتير الفتره الجايه

ادارت اليه ظهرها .... وهى تسمع صوت حديثه مع زوجته ....... امام المرأه ابتسمت لنفسها بنشوه وهى تتأمل لمعه عينيها واللون الوردى الذى يرتسم على وجنتيها ..... شعور الراحه الذى يتسلل اليها بخفه يملأها بالبهجه ...... الأن فقط ادركت بعد ان ازاحت ذاك الهم من قلبها ان السنوات التى امضتها لم تضع هدرا ..... لم تكن فقط للبكاء على اطلال حب مضى ..... اكتشفت انها كانت تعلم فيها نفسها كيف تحب وتعطى ...... تفهم كيف تقرأ ابجديه حياتها ...... لتستطيع ان تتواصل وتسطر ما تشاء على صفحات حياتها الحقيقيه

بأيماءه رضا لنفسها اخذت ترسم بعنايه على وجهها الابيض الرائق خطوط والوان فاتحه ..... صورتها التى قررت ان تبدأ بها

حياة جديدة

تمت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق