السبت، 26 يونيو 2010

ويسدل الستار


كان على ان اسرع فى ارتداء ملابسى رغم ان الوقت مايزال مبكرا على موعدى الا اننى اود ان اسير فى نفس الطرقات ...احاول ان استعيد نفس الاحداث وارى نفس الوجوه ولو حتى داخلى فسنوات الغربه احدثت داخلى تجويفاً عميقاً ابحث عما يملأه ولعل شجن الذكريات هو ما يملؤه.

اخذت انتقى ملابسى بدقه مثل الايام الخوالى ...البنطلون الزيتى...القميص الاصفر...الكرافت الزيتى ذو النقشات الصفراء ....والجاكت الزيتى ....ارتديتها بعناية شديدة ذكرتنى بحالى حين كنت استعد قبل مقابلاتى الغرامية معها....الالوان التى تحبها.

كنا سوياً فى نفس فرقة الهواه نعشق المسرح الذى اعتبره بيتى بل ان حياتى مسرحية كبرى امثلها احياناً واحياناً اخرى اشاهدها او اشارك فى اخراجها.

كنا نذهب يومياً فى نفس الطريق حيث نلتقى بالزملاء(محمود) (حسن) (امجد) و (اسماعيل) نقوم بتمثيل عدة نصوص حتى يصادف احدنا حظاً سعيداً ويختاره احد كبار المخرجين للمشاركه فى عرضه المسرحى ....حتى حدث ما حدث وانتهت حكايتنا ...اعلم اننى تسرعت مثلما اخبرتها فى خطابى الوحيد...لكننى لم اتمكن من الاستمرار وسافرت ابحث عن نفسى فى مكان آخر وكنت على اتصال مع اعز اصدقائى (حسن) الذى مات ...وحزنت كثيراً لعدم تمكنى من حضور جنازته.

وحين عدت منذ مايقرب من شهر ذهبت إلى المسرح وجدت كل شىء قد تغير وكأننى لم آت هنا يوماً ما من قبل.

لفت انتباهى اعلان عن عرض مسرحى تقوم بتنفيذه فرقة الهواه اخراج (سامى حسن) .....فرحت كثيراً لما حدث لفرقة الهواه من تطور وانتهى بى الامر هكذا حتى فوجئت بدعوة لحضور هذا العرض تصلنى بالبريد مصحوبة بخطاب من المخرج(سامى حسن) ابن صديق عمرى الذى لم اره منذ ان كان طفلاً صغيراً.

وصلت وجلست فى المكان المخصص وانا اتذكر تلك الخشبه وعروضنا عليها.....لكنهم لم يمنحونى الفرصة فسرعان ما اظلمت القاعه ورفع الستار.

ديكور بسيط.....ثلاث كراسى تحتل ثلاث اركان من المسرح يجلس على كل منهما فرد من افراد الفرقه والضوء مسلط على كل منهم بشكل منفرد.

يدخل من يمين المسرح م1 بطل العرض يتجه إلى منتصف المسرح ويقف موجهاً حديثه إلى الثلاثه الآخرين

م1 : مرحباً لقد عدت مرة اخرى.

يتجه نحو الثلاثة وعلى وجوههم فرحة غامرة.

م1 : افتقدتمونى......أليس كذلك؟؟؟

م2 : ليس إلى هذا الحد.

م1 : اعلم انها من وراء قلبك.

م3 : مرحباً بك....كيف كانت رحلتك.

م1 : لاتقلق....ستعرف كل ما حدث.

م4 : عوداً حميداً عزيزى.

ينتهى الترحيب عند هذا الحد ويعود كل منهم إلى مكانه بينما يقف م1 وحده فى وسط المسرح وتظلم القاعه.

ديكور جديد....طرابيزة يحيط بها خمسة كراسى يجلس م2 فى صدر الجلسة ويحيط به الآخرون م1,م3,م4 ويتبقى كرسى خال.

يبدأ م2 الحديث

م2 : اجتماعنا اليوم لبحث مشكلة فشل م3 فى مسرحيته الاخيرة وعدم التزامه بتعليمات المخرج سواء فى البروفات او حتى اثناء العرض.

م1 يأخذ كرسيه ويذهب الى ركن يتيح له مشاهدة ما يحدث.

م4 : انه هكذا دائماً لايترك فرصة الا ويستغلها من اجل تشويه صورتنا امام الجميع وربما يأتى يوم تلغى فيه فرقتنا بسببه.

م3 : عذراً ياساده فشلى امر يخصنى وحدى ولا اسمح ان اكون مجال سخرية او حتى نقاش من احد.

م2 : معذرة جميعنا فى مركب واحدة والفرصة التى اتيحت لك كانت تحتاج فقط بعض الجهد من اجل النجاح.

م3 : انتم تعلمون مسبقاً عدم رغبتى فى العمل بهذه المسرحية كما اننى اخبرتكم بمعاناتى وطاقم العمل من هذا المخرج ومطالبتى بحقوقنا كانت السبب وراء ذلك.

م2 : لقد اخبرناك ان تلتزم الصمت حتى تحصل على الفرصة لاثبات نفسك فقط من اجلنا ولتفعل ما تشاء بعد ذلك.

م4 : انه حديث فارغ...حجج واهيه ....فشلك سببه افعالك الاخيرة التى لا ارى لها سبباً ولتعلم انها لن تؤثر عليك وحدك وانما ستؤدى بنهايتنا جميعاً.

م3 : كما اخبرتكم فشلى امر يخصنى وحدى ولتتركونى وحدى حيث لم اصل بعد إلى ذلك الحد الذى يجعلنى لقمة سائغه وهدفاً لكلامكم هذا.

تظلم القاعة ما عدا بؤرة ضوء مسلطه على وسط المسرح حيث يقف م2 و م4 وبؤرة اخرى مسلطة على م1 حيث يجلس

م4 : لدى طريقة لبحث هذا الفشل فطالما فشلت كافة الطرق السلمية معه وزادت حيرتنا فى سبب افعاله فلم لا نجرب .....واسر له ببعض الكلمات فى اذنه.

م2 : اظن ان الامر لم يصل إلى هذا الحد بعد.

م4 : ولماذا لانجرب فلن نخسر شيئاً كما ان تلك الطريقة مضمونه وجربها الكثيرون.

م2 : فلتتركنى افكر وسأخبرك فيما بعد.

تظلم القاعه تماماً ما عدا بؤره ضوء حيث يجلس م1.

إضاءة خافته....كرسى فى منتصف المسرح يجلس عليه م3 وفى مقابله كرسى فارغ.

يدخل من يسار المسرح شخص يرتدى السواد ويجلس معطياً ظهره للجمهور ويضع يده على رأس م3.

ترتفع الموسيقى بشكل مهيب....موسيقى مرعبه تسمع صدى ايقاعتها داخلك فتجبرك على التركيز ويبدأاستعراض راقص مجموعه من الكومبارس ترتدى السواد تدور حول الكرسين فى ايقاع راقص سريع مع دخان يرتفع ليحيط بالجميع

م1 يحاول ان يبعد نظره عما يحدث وتظهر على وجهه علامات التأثر الشديد.

وفجأة بشكل غير متوقع تظلم القاعه تماماً وتتوقف الموسيقى.

ضوء سلط على منتصف المسرح حيث يقف م1 عيناه جاحظتان ....وجه شاحب..يرتعد موجهاً حديثه للجمهور.

م1 : ماذا على ان افعل؟ كيف اوقف تلك المهزله....تلك المسرحية السخيفة....بالله عليكم اخبرونى....اكاد ان افقد عقلى.....كيف ذلك؟ كيف يسمحون لانفسهم ان ينحدروا إلى ذلك المستوى المتدنى؟كيف؟؟؟؟كيف؟؟؟؟ كيف سأعيش معهم بعد الآن وقد فقدت اقتناعى بهم...فقدت احترامى لعقولهم....لقد اوشكت على الانهيار.....رأسى.....تماسك لابد ألا يظهرعليك شىء...ولكن كيف ذلك؟؟؟ ارغب بشدة فى الرحيل....ارحل إلى ارض اخرى....اناس جدد لعلى اجد ما ينسينى ما حدث.....رأسى....صداع فظيع.

يظهر من خلفه م2وم3وم4 مع اضاءة خافته يجلسون كما كانوا فى اول العرض.

م1 مازال فى وسط المسرح وآثار الانفعال والارهاق الشديد يظهر عليه بشدة موسيقى جنائزية حزينة ترتفع فى المسرح.لحظه صمت انتابت جميع من فى القاعه .... موجه من التصفيق الحاد قطعت الصمت
يترك مقعده فى الصف الاول ودموع عينيه تحفر اثارها بعنايه على شيب وجنتيه بينما
الستار المسرح يسدل.

الأربعاء، 9 يونيو 2010

رحيل

لم تكن الشمس التى شرقت فى هذا اليوم مثلما رأتها طوال حياتها السابقه .... هى دوما تستيقظ مع اذان الفجر ... تصلى وتبدأ فى اعباء اليوم المعتاده ...ولكنها لم تهمل ابدا النظر الى الشمس الشارقه فى اول اطلالاتها على الكون ..... كانت تستمد منها قوه تعينها على يومها

اليوم استيقظت كعادتها مع اذان الفجر .... انتهت من صلاه ركعتين الفرض وركعتى السنه وتبعتهما بركعتين ابتهالا وتضرعا لله ليعينهم على ماسيقدمون عليه اليوم .... وحينما رفعت نظرها لتراقب قرص الشمس الوليد شعرت بوخزه فى قلبها لم تكن هى كما اعتادتها .... لم تمنحها القوه التى كانت تحتاج الى اضعافها اليوم وبشده .... ربما كان الوهن فيها هى وليس فى شمس اليوم الجديد ولكنها لم تدرك تلك الحقيقه فى وقتها

اخذت تلهى نفسها بتحضير طعام الافطار للجميع لتمنع نفسها من التفكير لا فى امر اليوم ولا فى اى شئ اخر .... لم يكن لديها عمل كثير اليوم ... انهت فى الليلتين السابقتين تجهيز اكوام الاثاث الذى سينقل معهم, ووضع الاشياء الاخرى فى الصناديق الكبيره , وتجميع الملابس فى الحقائب .... والمتبقى ستنتهى منه قبل ان ينتهى الرجال من تناول الافطار ليقوموا بتحميل العربه الخشبيه التى ستنقلهم الى محطه القطار

ايقظت الجميع لتناول الافطار .... لم يستغرق منها هذا الامر طويلا عكس ما اعتادت عليه .... يبدوا ان احدا لم ينعم بنوم هانئ فى الليله السابقه مثلها .... التفوا حول الاطباق الموضوعه على الورق المفروش على الارض وتناولو افطار بسيطا فى لقيمات صامته لم تستغرق وقتا طويلا وبدا الرجال بعدها فى نقل الأثاث المكوم فى طرف الباحه .... واخذت النساء تعتنى بتحضير اشيائهم الباقيه وتجهيز الاطفال

اخذت هى تراقب مايحدث وهى تجلس على صندوق فى طرف الباحه الاخر ..... لم تكن ترى بعينيها شيئا مما يحدث .... المشهد كان مختلفا تماما امام عينيها

كانت ترى رجالا تأتى وتذهب حامله قطع مختلفه من الاثاث الجديد ... والاطفال تجرى فرحه تلعب يمينا ويسارا بين اقدام الرجال المتحركه فى ايقاع متناغم والنسوه الجالسه فى فرح غامر ..... لم تكن ترى تلك الوجوه البائسه التى تحمل الاثاث المستعمل فى تثاقل شديد ... ولا براءه الاطفال المغتاله فى عيونهم المطفأه ... ولا نظرات النسوه المتحسره على ماكان

قبل اذان الظهر بما يقرب من النصف ساعه .... بينما الشمس عموديه على سطح الارض .... اخذ الجميع اماكنهم فى على سطح العربه الخشبيه التى تحركت بهم نحو محطه القطار فى طرف البلده ... الطريق من دارهم الى محطه القطار يقطع البلده كلها .... مروا وسط بقايا ديار مهجوره ..... الجميع رحل من البلده وهم اخرهم ..... الصمت يحتل شفاههم جميعا متناغما مع صمت هواء القريه الميته

المشهد فى عينيها مايزال مختلفا.... عند شجره الكافور الكبيره التقته اول مره .... وعندها كانا يتقابلا قبل المغرب .... وعندها ايضا اتت هاربه من شبح الموت حينما وصلها خبر وفاته فى الحرب على الجبهه ..... هنا منزل خالتها, وهنا منزل رفيقه عمرها , وهنا وهنا وهنا .....

سائق القطار يطلق نفير الانذار بالرحيل .... تقف على الباب تنظر بعيدا نحو القريه .... ابنها الاكبر يصعد وهو يطلب منها الجلوس معهم بعد ان انتهى لتوه من وضع اخر احمالهم .... هى مازالت تنظر الى القريه وربما لم تسمع ايا من كلماته اليها

سائق القطار يطلق نفير الانذار الاخير للرحيل ..... عجلات القطار بدأت فى السير ببطء على القضبان ..... قفزت من مكانها واخذت تجرى نحو باب محطه القطار ..... يلحقها ولداها ويمسكان بها قبل ان تخرج من البوابه ويعيدانها بصعوبه الى القطار قبل ان يغادر ويتركهم خلفه

= بدى اقفل باب الدار .... نسيته مفتوح

الدموع المنسابه من عينيها الواهنه على وجنتيها .... صوت نشيجها المختلط بصوت عجلات القطار العالى منع الجميع من سماع كلماتها التى لم تتوقف عن النطق بها ابدا بينما نظرات عينيها معلقه نحو دارها فى الغرب ................... تمت

من وحى حديث مسموع من شخص لا اعرفه على مقهى التكعيبه بالتحرير الاربعاء 9 يونيو 2010